سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالقُرآنِ، وعلى كمالِ حِفظ الرَّسُولِ له - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ ما نزَلَ على القلبِ يَثْبُتُ ويَرْسَخُ، بخِلافِ ما سمِعتْه الأُذُنُ، فإنّ الأذنَ قد تُوصِل إلى القلبِ وقد لا تُوصِل، فقد يكون قلبُه غافلًا، ولكن هنا كَان على القلبِ.
وقَوْلهُ: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} اللامُ هنا للتعليلِ وللعاقبةِ معًا، فهما متلازِمانِ، فإذا قلنا: للتعليلِ، صار مكلَّفًا بذلكَ، وإذا كَانتْ في العاقبةِ كَانتْ عاقبتُه أن يكونَ مُنْذِرًا، وإنْ لم يكنْ هناك تَكليف، ولكن الصَّحِيح أنها شاملةٌ للأمرينِ.
وقَوْلهُ: {مِنَ الْمُنْذِرِينَ} أي: الرُّسُل، كما قال الله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [النساء: 165].
وقَوْلهُ: {بِلِسَانٍ} بلغةٍ، وأطلقَ اللِّسان على اللُّغةِ؛ لأنَّه مَحَلّ الكَلامِ الَّذي هو عنوانُ اللُّغةِ.
وقَوْلهُ: {عَرَبِيٍّ} نِسبةً إلى العربِ؛ وذلك لأنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَان عربيًّا، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
وفي هذا إشارةٌ إلى أنه يَنْبَغي أن تكونَ اللُّغةُ العربيّة لغةَ جميعِ الخلقِ؛ لأن الشرْعَ الَّذي نزلَ بها شرعُ جميعِ الخلقِ، فكَان يَنْبَغي أن تكونَ اللُّغةُ العربيّة لغةَ جميعِ الخلقِ، خلافًا لمن يريدونَ أن يُذِيبُوها في عَصْرِنا الحاضرِ، بأن يطالِبوا بجعلِ اللُّغَة العامِّيَّة مكَانَ اللُّغةِ العربيّةِ في المكاتَباتِ والمراسَلات وغيرهما!
وأقبحُ من ذلك مَن يحاولونَ أن يتكلَّموا باللُّغةِ الأعجميّة، كما يوجد من بعضِ النَّاسِ الَّذينَ يَفخَرون بلغةِ الإنجليزِ وغيرهم، فتجدهم يَتَشَدَّقُونَ بالكَلام بها.