قوله تعالى: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} قال المفسِّر: [{مِمَّا يَعْمَلُونَ} من
عَذابهم]، ولا شكّ أنّ هذا التأويلَ قاصِرٌ؛ لأنَّ: {مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي: من فِعْلِهم
ومن عذابِهِم أيضًا.
ولا يَمْتَنِع أن يَسألَ اللهَ تَعالَى أن يُنْجِيَهُ مِن هذا العملِ، وإنْ كَانَ الرُّسُل
لا يُمْكِن أن يَعْمَلُوهَ، لأنَّ الصَّوابَ المقطوعَ به أنَّهم معصومونَ ممَّا يُخِلُّ بالشَّرَفِ
والكرامةِ، وعملُ قومِ لوطٍ هذا يُخِلّ بالشرفِ، لكنَّه هو دعا لنفسِه وأهلِه: {نَجِّنِي
وَأَهْلِي}، وأهلُه ليسوا مَعصومينَ.
والصَّوابُ أنَّه سألَ اللهَ أن يُنْجِيَه من عَمَلِهِم، ومن عَذَابِهِم.
قال الله تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} الفاءُ للتفريعِ، يَعْنِي: فتفريعًا على دعوتِه
أُجيب.
قالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{إِلَّا عَجُوزًا} {فِي الْغَابِرِينَ} امْرَأتَهُ، {فِي الْغَابِرِينَ} الْبَاقِينَ أَهْلَكْنَاهَا]،
وفي بعض النسخ: [أَهْلَكْنَا]، وكَأنَّه يريد أنَّ (أهلكنا) مُسَلَّطٌ على قَوْلهِ: {إِلَّا
عَجُوزًا} يَعْنِي: إلَّا أنَا أَهْلَكْنَا {عَجُوزًا}، و (أهلكناها) أيضًا لها مَعْنى أوضح؛ لأنَّه
إذا قال: (الباقين أهلكنا) قد يظن الظانّ أنَّ المُرادَ أهلكَ الباقينَ. وعلى كُل حالٍ
استجاب الله دعوتَه، فنجّاه وأهلَه.
قَوْلهُ: {أَجْمَعِينَ} يدلُّ على أنَّ الأهلَ كَانوا عددًا كثيرًا، والصَّحِيحُ أننا
لا نَدري كم عَدَدُهم، إنَّما أهله، ولكن: {أَجْمَعِينَ} يدلُّ على الكثرةِ؛ لأنَّ: {أَجْمَعِينَ}
هذه جمعٌ، وأدنى ما يُقال فيه ثلاثةٌ، معَ أنَّ هذه الكلمةَ: {أَجْمَعِينَ} تدلُّ على جماعةٍ
مُسْتكثَرَةٍ.