وهذا يزيدُ الأمرَ قُبحًا إلى قُبْحِهِم، حيث يَدَعون الطيِّبَ ويأتونَ الخبيثَ.
وفي قَوْلهِ: {أَتَأْتُونَ} و {وَتَذَرُونَ} الفائدةُ المعنويَّة الَّتي أَشرنا إليها، وهي زيادةُ القُبْح، والفائدةُ اللفظيَّة، وهي الطِّبَاق بذِكْر الأمرِ ومقابلِهِ.
وقولُه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} اللامُ للإباحةِ أو للتعليلِ؛ أي: خَلَق لِأَجْلِكُم، أو: أباح لكم.
وقَوْلهُ: {رَبُّكُمْ} إشارة إلى أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو المتصرِّف فيهم الَّذي يُحْيِيهِم.
وقَوْلهُ: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}، (بَلْ) للإضرابِ، والإضراب هنا كَأنَّه قال: لا تاتونَ الذُّكران فِطرة ولا عَمَلًا عادِيًّا محبوبًا إلى الفِطَر، ولكن الَّذي حَمَلَكُم على هذا هو العُدوان المجرَّد - والعياذ بالله - متجاوزينَ الحلال إلى الحرامِ، فبيّن لهم لُوطٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنَّ ما فَعَلُوه أمرٌ مُسْتَنْكَرٌ عَقْلًا، ومستنكَرٌ شَرعًا وعُرفًا؛ لأنَّ العدوانَ لا شكّ أنّ كلّ أحدٍ يُنْكِره، وهؤُلاءِ مُعْتَدُونَ.
ومنَ الغَريبِ أنّ الفاعلَ مِنهم اليومَ قد كَانَ مَفعولًا به بالأمسِ! والمفعول به اليومَ يكونُ فاعلًا في المستقبَل! وهذا غاية ما يكونُ مِنَ العُدوان.
وسبحان اللهِ! كيف هؤُلاءِ الجماعة - نسأل الله السلامةَ - يرى الإِنْسانُ ولدَهُ أو أخاهُ الصغيرَ تُفعَل به الفاحشةُ ولا يبالي بهذا؟ ! والظَّاهرُ أنَّهم يَفعلونها جَهرًا؛ لِقَوْلهِ: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29]، فهم لا يُبالُونَ - والعياذُ باللهِ - أن يَرْكَبَ بعضُهم بعضًا جِهَارًا، وهذا غايةُ ما يكون منَ السُّخْط.
* * *