فإنْ قيلَ: كيف أخذت منهم أحكام المُرْتَدّ وهم أصلًا لم يُؤْمِنوا؟
قلنا: أخذ هذا من إمهالِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم ثلاثةَ أيامٍ، فصار أننا نُمْهِل الكفّار ثلاثةَ أيامٍ، لكنّ الكفّارَ الأَصْليِّينَ في الشريعةِ الإسلاميَّة لهم أحكامٌ خاصَّة، كإقرارهم بالجِزْيَة مثلًا، وغيرهم ممَّن لا يقرّ على دينه وهو المرتدّ يُنْظَر ثلاثةَ أيَّام، والمسألةُ خِلافيَّة، ثم إنَّ الرِّدَّة أيضًا تَختلف: فمِن الرِّدَّة ما يمكِن أن يُمهَل، ومنها ما لا يمكن أن يُمهَل.
وهل كان قومُ صالحٍ كلّهم يَشربون من بِئرٍ واحدةٍ؟
نقول: لعلَّ هذه البِئر هي الصَّالحةُ في الشُّربِ، وغيرها لا تَصْلُحُ للشُّرب، المهمُّ أنَّ أصلَ شُربهم من هذهِ البئرِ، ولهذا قسّم وقتها: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}، ولا مانعَ أيضًا من أن تكونَ هذه البِئْر تَسقي كلَّما أمكن، لكن الأقرب - والله أعلم - أنَّ البساتينَ مُنْتَشِرة فيها العيونُ، وأنَّ هذه البِئر هي الَّتي يأخذون منها ماء الشُّرب.
فإن سألَ سائلٌ: لماذا منع الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - منَ الشُّرب من مائهم حين مَرَّ بدِيارهم؟
فالجَواب: لأنَّ استعمالَ هذا الماءِ يؤدِّي إلى النزولِ فيه والطُّمأنينة، والرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا مرّ بها مرَّ مقنِّعًا رأسَه وأسرَعَ، وقال: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ القَوْمِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لم تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ" (?)، فالمسألةُ ليستْ هيِّنَةً، والعجيبُ أنَّ كثيرًا منَ النَّاس اليومَ يذهبونَ