ولو كَانَتْ كذلك لذُكِرَ في القُرآنِ؛ لأن خُرُوجَها من صخرةٍ - وهي من الحيوانِ - أشدُّ وأظهرُ وأجلَى في الآيةِ مِن كونها لها شِرب ولهؤُلاءِ شِرب.
والصَّوابُ أن يُقال: إن هذه الناقةَ ناقةٌ وُلدتْ من نُوق، ولكن لها مَزِيّة على غيرِها، وهي هذه المزيّة العظيمةُ: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}، يَعْنِي أنها هي تَشْرَب منْ هذا البِئر، فتأتي وتَشرب، واليوم الثَّاني تَذهب وتَرعى، لكن في اليومِ الَّذي تَشرب قال أهلُ العِلْم: إنَّ كلَّ مَن أعطاها دَلوًا منَ الماءِ أَعْطَتْه دَلوًا منَ اللَّبَن، فصاروا هم يَشربون يومًا لَبنًا، ويومًا ماءً، وهذا اللَّبَن يأخذونه من هذه الناقةِ، وهذا بلا شَكّ من آياتِ اللهِ؛ إذ لا توجدُ ناقةٌ على هذه الصِّفَةِ.
وقَوْلهُ: {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} كَان هذا الشِّرب مُؤَقَّتًا بوقتٍ جَعَلُوه لأنفسهم، بحيثُ لا يَلْتَبِس على مَن ليسَ في البَلَد حتى لو كَان الإِنْسان في خارجِ البلدِ يعرف أن اليومَ يومُ الناقةِ، أو أنَّ اليومَ يومُ النَّاسِ، فيأتي وَيرِد هذه البئرَ ويَشرب منها، أو يَرد الناقة بيومها فيَشرب مِن لَبَنِها، وهذه هي الفائدةُ من قَوْلِهِ: {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
قَوْلهُ: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يقول المُفَسِّر: إنه عَظيمٌ في عِظَم العذابِ، يَعْنِي: وليسَ اليوم نفسه هو العظيم، ولكن لِوُقُوع العذابِ فيه صارَ عَظيمًا، و {عَظِيمٍ} وصفٌ لليومِ.
وهل هو وصفُ مَدْح أم وصف ذمٍّ؟
هو في الحَقِيقَة وصفُ مَدْح، ودليلٌ على القُوَّة فيما وصف به، حتى إنْ كَان عذابًا فهو دليلٌ على قوّة العذاب، وإنْ كَان خيرًا فهو دليلٌ على قوَّة هذا الخيرِ،