وإذا تأمَّلتَ الإِنْسان الأوَّل هو الإِنْسان الأخير، أو الإِنْسان الأخير هو الإِنْسان الأوَّل، لكن يَختلف الأسلوبُ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 29 - 32]، وهذه الأمورُ إذا طبَّقْناها في الوقتِ الحاضرِ فهي موْجودةٌ.
فقولهم: {لَضَالُّونَ} قديمًا، يُساويه قولهُمُ الآنَ: رَجْعِيُّونَ! أو مُحافِظُونَ! أو ما أشبهَ ذلك، وهو نفسُ الشيْءِ، فالفِكْر هو هو، لكن الأسلوب يَختلف مُسايرةً للزمَنِ.
وهل صَحِيحٌ قولُ بعضِ النَّاسِ: إن الحيوانات في زَمَنِ نُوحٍ كانتْ أقلَّ أنواعًا من هذا الزمنِ، وسبب كثرتها بسببِ نزولِ بعضها على شكلِ آخرَ، فتولَّدَتْ منها أشكال؟
أمَّا الآيةُ فلا تُصَرِّح، لكن الذي وَرَدَ أنه حمل معه {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: 40]، يَعْنِي: من كلِّ الموْجوداتِ، لكن لا شكّ أنه ما وُجدَ أصلٌ جديدٌ أبدًا، لكن ربَّما صارتْ زيادة الأنواع بالتوالُد، أو بِنُزُولِ بعضها على بعضٍ فاختلفتْ، مع أنّ المعروفَ عنْدَهُم أنه ما حصلَ من توالدٍ من نَزْو بَعْضِها على بعضٍ أنه لا يتوالدُ، والحاصلُ بالتوالُدِ لا يتوالد، كل شَيْء نشأَ منَ التوالُد لا يتوالدُ، فهذا معروفٌ عندهم، ولهذا البَغْلُ لا يُمْكِن أنْ يَصِيرَ له ذُرِّيَّة أبدًا.
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: ويُستفاد من هذه الآيةِ {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} جوازُ وصفِ الإِنْسانِ بالثناءِ على نفسِه للمصلحةِ، وهذا أيضًا وردَ عنِ النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنه