الَّذينَ على السَّفِينَةِ، وكَأنِّي بهم يَطَّلِعُونَ إليهم من نوافذها، وهم يَعُومُونَ في هذا الماءِ ويَغْرَقُون، وهؤُلاءِ في مَنجاةٍ منه.
قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} على رأي المُفَسِّر المُراد أكثر قوم نوح عَلَيْهِ السَّلَامُ، ولكن الأصح: {أَكْثَرُهُمْ} أي: الَّذينَ بُعِثَ فيهم الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}، (ما) نافية، و (كَان) أصليَّة، فالعملُ لـ (كَان)؛ لأن الأَصْلَ عدمُ الزيادةِ، وإذا جعلتَ العمل لـ (مَا) لزِم أنْ تجعلَ (كَان) زائدةً، وإذا جعلتَ العملَ لـ (كَان) بقِيت (ما) نافيةً على ما هي عليه.
قَوْلهُ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الجامع بين العزَّة الغالبة القاهِرة والرَّحمة البالغة، لكنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لجِمعِهِ بينَ العزّ والرحمة صارتِ الرحمةُ تكون في مواضعها، والعزّ يكون في مواضعِهِ.
وأقسامُ العِزَّةِ الَّتي يَتَّصِفُ الله بها ثلاثةٌ: عِزَّة قَدْر، وعِزَّة قهْر، وعزة امتناعٍ.
وعزة القَدْر: هي أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له القَدْر العالي، وهو الَّذي لا يُشْبِهُهُ أحدٌ منَ المخلوقاتِ؛ لأنه إذا صار عزيزَ القَدْر يَعْنِي أنَّ قَدْرَه لا نظيرَ له، مثل أن تقولَ: هذا عَزيزٌ، يَعْنِي: لا يوجدُ له مَثيلٌ.
وعِزَّة القَهْر: هي أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قاهرٌ لمِن سواهُ منَ المخلوقاتِ، وغالبٌ له.
وعزةُ الإمتناعِ: هي أنه لا يُمْكِن لأحدِ المخلوقاتِ أن يَتوصَّل إليه، يَعْنِي: يَمْتَنِع عليه دون سوء أو نقص.