أحسنُ من حملِهِ على طائفتينِ، فأوَّلُ التبليغِ يكونُ الإنكار أَشَدّ، و {الْأَرْذَلُونَ} على الْعُموم، ثم قالُوا: {أَرَاذِلُنَا} للتخصيص.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَمَا عِلْمِي} أيّ عِلْم لي {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}]، فقد يُقال في بادئ الأمر: إن اعتذارهم منه يَعْنِي: كَوْنهم آمنوا وهم على زَعْمِكم {الْأَرْذَلُونَ} أنا لا أدري أنَّهم الأرذلون؟ يَعْنِي: فأنا ما قَصَدتهم حتَّى آمنوا لعلمٍ بهم، ولكن هكذا جَرَتِ الدعوةُ، فاتَّبعها هؤُلاءِ، فهذا ما يَتَبَادَرُ إلى الذِّهن في أوَّل الأمرِ.
ولكن الظَّاهر - واللهُ أعلمُ - أن نفيَه العِلْم هنا نفيٌ للتَّبَعِيَّةِ، يَعْنِي: أيّ شَيْء يكون عليَّ وأيّ شَيْء يلحقني بعملهم؟ فلو كانوا هم الأراذلَ على زَعْمِكُم، فأنا لا يَضُرُّنِي ذلك.
قوله تعالى: {وَمَا عِلْمِي} أي: ما حسابي، وما التَّبِعَةُ الَّتي تُلحِقوني بها فيما كَانوا يَعْمَلُونَ؟
وقال المفسِّر: [{وَمَا عِلْمِي} أيّ علم لي {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}]، أي أنَّهم يَدَّعُونَ أنَّهم إنَّما تابَعُوه لِيَنَالُوا بذلك جاهًا ومالًا، فيكونون غيرَ مخلصينَ في إيمانهم، فالمَعْنى: بما كَانوا يَعْمَلُونه من أعمالِ القلوبِ، على أنَّ هذا ليسَ بظاهرٍ، ولكن هذا خلاف الظَّاهرِ فيما يَبْدُو.
بل إن المَعْنى: إن عَمَلَهُم هذا ليس عليَّ فيه تَبِعة مهما عَمِلوا، ولو كَانوا في زَعْمِكُمُ الأراذلَ؛ فإن ذلك لا يلحقني بشيْءٍ ما دامتْ رِسالتي قائمةً، وآياتي بيِّنة، فالحُجَّة عليكم قائمةٌ، أمَّا هم حتى وإن كَانوا الأراذلَ عندكم، فحِسابُهم على رَبِّي.