الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أنَّ التَكذيبَ بالحقِّ من شخصٍ تكذيبٌ به من جميعِ الأشخاصِ، لقولِهِ تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}، معَ أَنَّهم ما كَذَّبُوا إلَّا واحدًا، لكن في الحَقِيقَةِ هم كَذَّبُوا الحقَّ، سواء جاءَ به نوحٌ أو غيرُه، ولهذا صاروا مُكَذِّبِينَ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فيها دَليلٌ على أنَّ نوحًا أُرسلَ إلى جميعِ النَّاسِ في وقتِه؛ لِقَوْلِهِ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}، وجه الدلالة أنَّهم قد كَذَّبوا عامَّة المُرْسَلِينَ، ونوح هو أوَّل الرُّسُلِ، وليس من رسولٍ قبله.
وقد تَقَدَّمَ أنَّ هذا لا يُنافي عُمومَ رسالةِ الرَّسُول علَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لأن في ذلك الوقت لم يَكُنْ في الأرضِ إلَّا قومه: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77]، وهذا أمرٌ ليس قصدًا، وإنَّما هو وَقَعَ اتِّفَاقًا، ومَعْنى وقعَ اتِّفاقًا أنَّ اللهَ تَعالَى لَمَّا أرسله لم يكنْ في الأَرْضِ سِوَى قومِه. أمَّا الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - فإن الأقوام كثيرونَ: بنو إسرائيلَ، والعرب، والأجناس الأخرى، ومع ذلك فإِنَّه مبعوثٌ إليهم جميعًا.