وفيه أيضًا دَليل عَلَى أنّ كلّ شيْءٍ يَمتثِل لأمرِ اللهِ، وأن الله تعالى قادرٌ عَلَى قلبِ الأمورِ عن طبائعها، فضلًا عن تغيّر صفاتها، فهذه النارُ الَّتِي من طبيعتها الإحراقُ والحرارةُ كانت بردًا وسلامًا عَلَى إِبْرَاهِيم فِي الحالِ، وهذا الماءُ الَّذِي من طَبيعته الإغراقُ والسَّيَلان صارَ أمْنًا وجامدًا لا يسيلُ بالنِّسبةِ لبني إِسْرَائِيلَ.
قال أهل العلم: إنه ما من آيةٍ أُعْطِيَها أحدٌ من الأَنْبياءِ إلَّا وكانتْ للرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، والآية المقابلةُ لهذا الأمرِ ما جَرَى لِسَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ لَمَّا أرادَ الغزوَ حيث خاضَ الماء (?)، ولكن ما صار يَبَسًا، وهذا أبلغُ؛ أَنَّهُ يكونُ باقيًا عَلَى طبيعته يجري كما هو، وهذه الخيولُ والإبلُ والمُشاةُ يمشون عليها.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ ليست بعهدِ النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟
فالجَواب: كرامةُ أتباعِهِ مُعْجِزَةٌ له.
فالحاصلُ أن يُقالَ: إن ما جَرَى لبني إِسْرَائِيلَ جَرَى لهذه الأُمَّة مثله؛ وذلك لِأَنَّ كرامةَ أتباعِ النبيِّ مُعْجِزة له؛ إذ مَعنَى الكرامةِ الشهادةُ بأنَّ ما عليه هَذَا المكرَم حقٌّ، فإذا كَانَ أتباعُ النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء لهم شهادة بأنَّ ما هم عليه حقّ، كَانَ مَعْنى ذلك أنَّ ما جاء بِهِ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ حقٌّ.
فَإِنْ قِيلَ: قوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} اثني عَشَر فرقًا، الإثنا عشرَ هَذِهِ ضرب اثنتي عشرة مرةً أم ضربة واحدة فانفلقَ اثني عشرَ؟
فالجَوابُ: لا، ضَرْبَة واحدة، فانفلقَ اثني عشرَ.