بعدَ الكفرِ مُؤمِنينَ، ولهذا قال بعضُ العلماءِ: أَصْبَحوا كفّارًا سَحَرَةً، وأَمْسَوْا شُهَدَاءَ بَرَرةً (?). وهدا صحيحٌ أَنَّهُم كانوا بَرَرَةً وأتقياءَ، وكانوا من أقوى النّاسِ إيمانًا وجِهادًا فِي سبيلِ اللهِ.
قال تعالى: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}، وفي هَذَا أيضًا دليلٌ عَلَى إيمانهم بالبَعْثِ؛ لِقَوْلهِم: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}، فهم مؤمنونَ بلِقاءِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ من أصولِ الإيمانِ.
فوائد الآيتينِ الكريمتينِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: شِدَّة تمَويهِ فِرْعَوْن حينَ قَالَ: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} معَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بينَ مُوسَى وبينَ هَؤُلَاء السَّحَرَةِ شيْءٌ مِنْ الإتصالِ، ولكنَّه لقوَّةِ تمويهِهِ أرادَ أنْ يُمَوِّهَ بهذا الكَلامِ الَّذِي لَيْسَ بمعقولٍ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قوَّة جَبَرُوته حِينَ هَدَّدَهُمْ بقطعِ الأيدي والأرجلِ مِن خِلاف ثم الصَّلب.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: قوَّة إيمانِ هَؤُلَاءِ السَّحَرَةِ الَّذين تَحَدَّوْا فِرْعَوْنَ بِجَبَرُوتِهِ، وقالوا: إنه لا ضررَ علينا فيما هَدَّدْتَنَا به؛ لأَنَّنا سَنَنْقَلِبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ وسيُعْطِينا منَ الأجرِ والثوابِ أكثرَ ممَّا فَقَدْنَا من هَذِهِ الحياةِ الدنيا، كما قال فِي سُورَةِ طه: {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ الإيمان إذا صَدَقَ صَارَ أقوى من العاطفةِ، فَحُبُّ النَّفسِ أمرٌ فِطريٌّ، ولكن الإيمان يؤدِّي إِلَى أن ترخصَ النَّفسُ عند المرء بجانبِ دينِه.