إنَّ دَمْعَةَ السُّرور بارِدَة، ودَمْعَة الحُزْن حارَّة؛ ولهذا قال: قَرَّتْ عَيْنُه إذا سُرَّتْ، أما إذا كان هنا القَرَارُ وهي أنها لا تَلْتَفِت إلى سوى ما هي تَنْظُر إليه؛ يعني: أنَّ عُيُونهم قارَّةٌ لا تَلْتَفِتُ إلى سوى ما هي عليه، وكلا المعنيين صحيحٌ؛ فإن معنى قَرَّتْ عينُه؛ أي: بَرُدَتْ فلم يَلْحَقْها حرارَةُ الحُزْنِ، ومعنى قَرَّتْ عينُكَ؛ أي: سَكَنَت، فلا تنظُرُ إلى شيء سوى ما هي عليه، وهذا يكون معناه غايَةَ الأُمْنِيَة.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [وفي قراءةٍ بسكونِ الياء؛ مضارِعٌ] فـ {أُخْفِيَ} فِعْلٌ ماضٍ، و (أُخْفِيْ) فِعْلٌ مضارِعٌ؛ و (أُخْفِيْ) يعني: أُخْفِيْ أَنا، (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيْ لَهُمْ) ما أُخْفِيْ لهم أَنا، أي: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، أمَّا {مَا أُخْفِيَ} لهم فهو فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجْهولِ، وفاعله مستَتِرٌ جوازًا، وإذا كانت (أُخْفِيْ) بالسكونِ فهي فعل مضارعٌ، وفاعل مُسْتَتِرٌ وجوبًا تقديره أنا.
والمعنى على كلتا القراءتين صحيحٌ؛ فالله هو الذي أخفاه حتى على البِنَاء للمجهولِ: {مَا أُخْفِيَ} فإنَّ المُخْفِيَ هو الله: {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} أي {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} جزاءً: مفعولٌ من أجله، ولكن هل عامِلُ المفعول من أجله: {أُخْفِيَ} أو: {قُرَّةِ}؟
الظَّاهِرُ: أنَّها {قُرَّةِ} يعني: قَرَّتْ أَعْيُنُهم جزاءً، وليس المعنى أُخْفِيَ لهم جزاءً؛ لأنه قد يقال: إنَّ الإظهارَ أَبْلَغُ في الجزاءِ، لكنَّها من قُرَّةِ أعينٍ جَزَاءً.
وقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي بالذي كانوا يَعْمَلونه في الدُّنْيا من طاعَةِ الله.
فإن قلتَ: هذا يدلُّ على أنَّهُم يُجازَوْنَ بعمل، وقد ثبت عن النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أنه قال: "لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ" قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ الله؟ قال: "وَلَا أَنَا،