وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا} وُعِظُوا {بِهَا} أي جُعِلَت مَوْعِظَةً لهم وبُيِّنَتْ لهم الآياتُ، فإذا وُعِظُوا بها {خَرُّوا سُجَّدًا}: {خَرُّوا} جوابُ {إِذَا}.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَرُّوا سُجَّدًا} الخُرورُ يكون من أعلى إلى أسفل، ومنه خرورُ الماءِ من السَّاقِيَة من فوق إلى تحت، {خَرُّوا سُجَّدًا} أي: من القيامِ {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} حالَ السُّجُود {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
هذه الآية أورد عليها بَعْضُ العلماء إشكالًا، وقال: هل لِكُلِّ من ذُكِّرَ بآياتِ الله أن يَسْجُد؟ فإذا قُرِئَ عليه آيةٌ سَجَدَ، أو إذا ما وعَظْتَهُ بموعظة سَجَدَ؟
والجوابُ عن هذه الآيَةِ: قال بعضهم: المرادُ خَرُّوا سُجَّدًا في مَوْضِعِ السُّجُود؛ يعني: خرُّوا سُجَّدًا؛ إذا مَرَّت بهم آياتُ سَجْدَة سجدوا، أمَّا إذا ذُكِّرُوا بآياتِ رَبِّهم بدون أن تَمُرَّ بهم آياتُ سَجْدَة فإنَّهم لا يسجدون.
ولكنَّ الصَّوابَ خلافُ ذلك؛ فالصَّوابُ أنَّ المعنى: الذين إذا ذُكِّروا بها انقادوا لها وخَضَعُوا لها، ولا يَلْزَمُ من ذلك أن يكون السُّجُودُ مباشرًا للتَّذْكيرِ؛ فقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا} يعني: حتى في المُسْتَقبل، فلا يلزم أن يكون جوابُ الشَّرْطِ مباشِرًا له.
وما يقتضي التَّرْتيب للحُرُوفِ أو التَّركيب قد يُرادُ به التَّرتيبُ في مَوْضِعِه وفي كُلِّ شيء بِحَسَبه؛ ولهذا لو قُلْتَ: تَزَوَّجَ زَيْدٌ فوُلِدَ له، الفاءُ للتَّرتيبِ والتَّعْقيب، ومن المعلومِ أنه لا يُولَدُ له فَوْرَ عَقْدِ النِّكاحِ له؛ فنقول: الفاءُ للتَّرتيبِ والتَّعْقيبِ، وتَعْقِيبُ كُلِّ شيء بِحَسَبِه، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} وهل المَطَرُ إذا نزل وصار الصَّباحُ فإذا هي مُخْضَرَّةٌ؟