* قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 7 - 9].
* * *
قوله رَحِمَهُ الله: [{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} بفتح اللام فعلًا ماضيًا؛ صِفَةٌ، وبِسُكُونها بدلُ اشْتِمالٍ] "الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُ" القراءَةُ الثَّانية سَبْعِيَّةٌ؛ فعلى القِراءَةِ الأُولى {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} الجُمْلَة فعليَّة صِفَةٌ لشَيْءٍ؛ وعلى القِراءَةِ الثَّانية: "الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُ" يقول: [بَدَلُ اشتمال] ويكون المعنى: الَّذي أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ؛ لأنَّه سَبَقَ لنا أن القاعِدَةَ في بدلِ الإشتمالِ: أنه يَصِحُّ إضافَتُهُ إلى المُبْدَلِ منه؛ تقول: نَفَعَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ؛ فتقول: نفعني عِلْمُ زَيْدٍ، وتقول: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ فَهْمُهُ؛ أي: فَهْمُ زَيْدٍ، وتقول: اشْتَرَيْتُ زَيْدًا ثَوْبَهُ؛ أي: ثَوْبَ زَيْدٍ، هذا بدلُ الإشتمالِ، فإنَّه يصِحُّ أن يُضافَ إلى المُبْدَلِ منه؛ على أنَّه يُحْتَمَلُ أنْ تكون (ثَوْبَه) بَدَلَ غَلَط، كأنَّه أراد أن يقول: اشْتَريتُ ثَوْبَ زَيْدٍ، فقال: اشتريتُ زيدًا ثوبَه.
فهنا نقول قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ" يعني: الذي أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ، والمعنى أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الخالِقُ، وأنَّ كلَّ شيء خَلَقَه فقد أَحْسَنَه، ولكنَّ هذا الإحسان يتفاوَتُ؛ ففي الآدَمِيِّ يقول عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ