الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: جواز المشي بدارِ المُعَذَّبينَ ومساكِنِهم؛ تُؤخَذُ من قوله تعالى: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} ولكن: هل ذِكْر الخَبر عن الشَّيْء يفيد حِلَّه؟ والحقيقة أنه لا يُفيدُ، يعني: كَوْنُ هذا هو الواقِعَ الحقيقة أنَّهُم يمشون في مساكِنِهم لا يدُلُّ أنَّ هذا المشي مأذون فيه، وقد أخبر النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الظَّعينة تمشي من حَضر مَوْتَ إلى صنعاءَ مسيرًا لا تخشى إلا الله (?)، والظَّعِينة وحدها حرامٌ أن تسيرَ هذا المسير، وقال الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -: "لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ؛ الْيَهُود والنَّصَارَى" (?) وهذا حرامٌ.
فالإخبار عن كَوْنِهم يَمْشُون في مساكِنِهِم لا يدلُّ على أنَّ المَشْي حلالٌ، لَكِنْ هل يدلُّ على أنَّه حرامٌ؟
الجوابُ: لا يدلُّ على أنَّه حلال ولا على أنَّه حرامٌ؛ فنَرْجِعُ إذن إلى الأدِلَّةِ الدَّالَّة على ذلك على التَّحْريمِ أو التَّحْليل، فنجد أنَّ الأَدِلَّة تدُلُّ على أنَّ السَّيْرَ فيها جائِزٌ، وأمَّا السكنى فلا تجوز، ومع ذلك فقد قال الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ المُعَذَّبينَ إِلَّا أن تَكُونوا باكينَ، فإن لم تَكُونوا باكينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا" (?)