* * *
* قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ} [السجدة: 26].
* * *
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: يتبيَّنْ لكفَّارِ مكَّة إهلاكُنا كثيرًا {مِنَ الْقُرُونِ}].
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} الهَمْزة هنا للإسْتِفْهام، والواو حرفُ عَطْف، وقد سبق لنا في مثل هذا التَّرْكيب أنَّ للعلماءِ في ذلك قولَيْنِ في الإعرابِ.
وقوله تعالى: {يَهْدِ لَهُمْ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [يَتَبَيَّنْ لهم]، وفي الحقيقَةِ أنَّ هذا التفسيرَ تفسيرٌ باللازِمِ، وإلا فإنَّ الهدايَةَ في الأَصْلِ: الدَّلالَة، لكن بالدَّلالَةِ يكون البيانُ؛ فلهذا فسَّروها باللَّازِمِ: (أَوَلَمْ يَتَبَيَّنْ لهم).
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَمْ أَهْلَكْنَا}: {كَمْ} هذه خبرية، وهي في محل نَصْبٍ مفعولٌ مقدَّمٌ لـ {أَهْلَكْنَا}، وهذه الجملة: {كَمْ أَهْلَكْنَا}، تؤول بمصدر مِن غير حرف مصدري، يعني: أولم يتبين لهم إهلاكُنا، وقد سبق لنا أن جُملًا قد تُؤَوَّل بمصدرٍ مِن غير حرفٍ مصدريٍّ، مثال ذلك قوله: {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}، {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} يعني سواء عليهم إنذارك وعدمه، وسواء عليهم استغفارك وعدمه، فهذه مما يؤول بمصدرٍ بدون حرفٍ مصدري.