إِذَا قَال قَائِلٌ: هَذِه الكلِمَاتُ الَّتِي تَأتِي لعِدَّةِ مَعَانٍ مَا الَّذِي يُعيِّن المَعْنَى؟

فالجَوابُ: السِّياقُ، وقرَائِنُ الأحْوَالِ، إِذَا قُلْتَ لرَجُلٍ غَنِيٍّ: الْبَسِ العَبَاءَةَ. ولرَجُلٍ فقِيرٍ: الْبَسْ عَبَاءَةً. هَلْ تَختَلِفُ العَبَاءَتَانِ؟ الأوَّلُ: الغَنِيُّ يَعْنِي: الْبَسْ عَبَاءَةَ غَنِيٍّ، والثَّاني: الْبَسْ عَبَاءَةَ فَقِيرٍ. اختَلَفَ المَعْنَى لحَالِ المُخَاطَبِ، فالمُهِمُّ أن الَّذِي يُعين المَعْنَى هُوَ السِّياقُ.

ومنْ ثَمَّ قُلْنَا: إنَّهُ لَا مَجَازَ فِي اللُّغةِ العَربيَّةِ إطْلَاقًا، ولَا فِي الْقُرآنِ أيضًا، والمسأَلةُ هَذِهِ فِيهَا أقْوَال ثلَاثَة:

القَولُ الأوَّلُ: أن المجَازَ وَاقِعٌ فِي اللُّغةِ العَربيَّةِ والقُرآنِ، وهَذَا الَّذِي عَلَيهِ جُمهُورٌ العُلماءِ.

القَولُ الثَّانِي: أنّه وَاقِعٌ فِي اللُّغةِ غَيرُ وَاقِعٍ فِي القُرآنِ، اختَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُم: الشَّيخُ محُمَّد الأَمِينُ الشِّنْقيطيُّ صاحِبُ كِتَابِ (أضوَاء البَيَانِ).

القَوْلُ الثَّالثُ: منْهُمْ مَنْ قَال: لَا مَجَازَ فِي القُرآنِ ولَا فِي اللُّغةِ. وهَذَا اختِيَارُ شَيخِ الإسلَامِ ابْنِ تَيمِيَّةَ (?) وتلمِيذِهِ ابْنِ القَيِّمِ (?) رَحَمَهُمَا اللهُ، وهَذَا هُوَ الحقُّ؛ لأَنَّ الكَلِمَةَ ليسَ لَهَا معْنًى ذَاتِيٌّ، الكلِمَةُ فِي ضِمْنِ جملَةٍ، فإِذَا دلَّتِ الكلِمَةُ في مَوْقِعٍ مَا عَلَى معْنًى مِنَ المعَانِي فهُوَ الحقِيقَةُ، لَوْ قُلْتَ: رَأَيتُ أَسَدًا يَحْمِلُ الحَقيبَةَ إِلَى المسْجِدِ ليَقْرَأَ، لَا يُمكِنُ أَنْ يَتبَادَرَ إِلَى ذِهْنِ واحِدٍ مِنَ النَّاسِ أن المُرادَ بالأَسَدِ السَّبُعُ المعرُوفُ، بَلْ لَو ادَّعى هَذَا مُدَّعٍ لرَدَّ علَيهِ كُلُّ أحَدٍ، فالَّذِي منَعَ هَذَا هُوَ السِّياقُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015