* قَال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: 5].
الهَمزَةُ هُنَا للاستِفْهَامِ، المُرادُ بِهِ النَّفيُ؛ بدَلِيلِ أن المُفسِّر قَدَّر بعْدَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: لَنْ. يَعنِي: لَنْ نَضْرِبَ عنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا. المَعْنَى: أنَّنا لَا يُمكِنُ أَنْ نَترُكَكُم بدُونِ إنْذَار؛ لكَونِكُم قَومًا مجُرمِينَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الإنْذَارِ كَمَا تَقُولُ: ضَرَبْتُ عَنْ هَذَا صفْحًا؛ يَعنِي: أَعرَضْتُ عنْهُ، ولَنْ تَرْفَعْ بِهِ رَأسًا، والمُرادُ بهَذَا -كَمَا قُلْتُ- النَّفْيُ؛ تَوبِيخًا لهَوُلاءِ القَوْمِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عمَّا جَاءَ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
والضَّمِيرُ فِي قَولِهِ: (نَضْرِبُ) يَعُودُ إِلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وأتَى بالضَّمِيرِ الدَّالِّ عَلَى الجَمْعِ تَعظِيمًا لله تعَالى، ولَيسَ للتَّعدُّدِ؛ لأَنَّ اللهَ الوَاحِدَ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وقَولُهُ: {عَنْكُمُ} يَعُودُ إِلَى كُفَّارِ قُريشٍ الَّذِين كَذَّبُوا محُمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -.
وقَولُهُ: {صَفْحًا} مَصدَرٌ مَعنَويٌّ لكلِمَةِ (نَضرِبُ)؛ لأَنَّ معنَاهُ (إعْرَاضًا).
فمَعْنَى الآيةِ إجْمَالًا: أَنُعرِضُ عَنْ تَذْكيرِكُم وإنذَارِكُم. وهَذَا هُو الَّذِي يَفعَلُهُ العَرَبُ فِي كَلَامِهِمْ؛ يَقُولُ: أَعْرَضْتُ عنْكَ صفْحًا يَعْنِي: لَمْ أُبالِ بِكَ ولَمْ أَلتَفِتْ إلَيكَ.
وقَولُهُ: {أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}: {أَنْ} ومَا دخَلَتْ علَيهِ في تَأويلِ