ثَالثًا: قَال اللهُ عَزَ وَجَلَّ بعْدَ قولِهِ: {لَا تَنْفُذُونَ إلا بِسُلْطَانٍ} قَال: {يُرْسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن: 35] وَلَمْ يُرسَلْ عَلَى هَؤُلاءِ شُواظٌ مِنْ نَارٍ ونُحَاسٌ؛ فتَفسيرُ القُرَآنِ بمَا لَا يَحتَمِلُه هَذَا محُرَّم؛ لأَنَّ المُفسِّر يَشْهَدُ أن اللهَ أَرَادَ كَذَا.
ومثْلُ قَولِ بعضِهِمْ: {وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] قَال: هَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أن الأرْضَ تَدُور.
والمَسأَلةُ هذ حَصَلَ فِيهَا مَعرَكَةٌ كَبِيرةٌ: هَلِ الأَرْضُ تَدُورُ أَوْ لَا تَدُورُ؟ وكُتِبت فِي ذَلِكَ مَنشُوراتٌ فِي الصُّحفِ ورسَائِلُ صَغِيرةٌ؛ إنْكَارًا وتَأيِيدًا، فجَاءَ هَذَا الرَّجُل المُتعلِّم فقَال: هَذهِ في القُرآنِ: {وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} قِيلَ: هَذَا يومَ القِيَامَةِ. قَال: يَومَ القِيامَةَ لَا يُمكِنُ أَنْ يُرَى الشَّيءُ إلَّا عَلَى حقِيقَتِهِ، لَا يَرَاهُ عَلَى غَيرِ حقيقَتِهِ. فقِيلَ لَهُ جَوَابًا عَلَى هَذَا: أَلَمْ تَقْرَأْ قَولَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 1 - 2] فهَذَا رؤْيةُ الشَّيءِ عَلَى غَيرِ حقيقَتِهِ، وهُوَ مُمكِن؛ فالْآيَةُ {وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} يَوْمَ القِيامَةِ {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} لأنَّها تَكُونُ هَبَاءً.
فهَذَا أيضًا مِنَ الغَلَطِ، وتَحْمِيلِ القُرآنِ مَا لَا يَحْتَمِلُ.