الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ مَكتُوبٌ، وهُوَ مَكتُوبٌ فِي اللَّوحِ المَحفُوظِ، ومَكتُوبٌ فِي الصُّحفِ الَّتِي بأَيدِي الملَائكَةِ، ومَكتُوبٌ فِي الصُّحفِ الَّتِي بينَ أيدِينَا.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن القُرآنَ الكَرِيمَ حَادِثٌ؛ يَعْنِي: أنَّهُ بإرَادَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى؛ لقَولِهِ تعَالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} واللهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجعَلَهُ بلُغَةٍ أُخْرَى لكِنْ صيَّرهُ باللُّغةِ العربيَّةِ.
ومَعْلُومٌ أن العَرَبَ حَادِثُون، فيَكُونُ مَا نَزَلَ باللُّغةِ حَادِثًا، وهَذَا هُوَ الحَقُّ؛ أن كلَامَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى حَادِثٌ، بمَعْنَى: أنَّهُ يَتكَلَّمُ مَتَى شَاءَ، ومَتَى شَاءَ لَا يَتكَلَّمُ، كَمَا قَال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيرَ نِسْيَانٍ" (?).
قُلْنَا: إنَّ كلَامَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى حَادِثٌ. والمَعْنَى: أنَّهُ يُحدِثُ مِنْ كَلَامِهِ مَا شَاءَ. ومنْ أُصُولِ أهْلِ السُّنَّةِ والجمَاعَةِ: أن اللهَ يَتكَلَّمُ بكَلَامٍ حقِيقيٍّ مَتَى شَاءَ، بِمَا شَاءَ، كَيفَ شَاءَ، أَلَمْ تَعلَمُوا أن الأشعرِيَّةَ الَّذِين يَنتَسِبُونَ إِلَى أَبِي الحَسَنِ الأشعَرِيِّ يَقُولُونَ: إنَّ اللهَ لَا يَتكَلَّم مَتَى شَاءَ أبَدًا. قَالُوا: لأَنَّ الكلَامَ مَعْنًى قَائِمٌ بنَفْسِهِ، أزَليٌّ، لكِنَّهُ يُحْدِث أَصْواتًا يَخلُقُها مَتَى شَاءَ فتُسمَع. فيَرَون أن الكلَامَ لَا يَتَعَلَّقُ بمَشيئَتِهِ.
فأيُّهما أكمَلُ مَنْ يتكَلَّم بمَشِيئتِهِ، وبِمَا شَاءَ، وكَيفَ شَاءَ، أَمْ مَنْ لَا يَستَطِيعُ هَذَا؟
الجَوابُ: الأوَّلُ، لكِنْ أربتْ بدعَتُهُم إلَّا أَنْ يَقُوُلوا بالثَّانيَةِ، وقَدْ ألَّفَ شيخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ رَحَمَهُ اللهُ كتَابًا سمَّاهُ (التِّسعينيَّة) بيَّن بُطلَانَ هَذَا القَوْلِ مِنْ تِسعِينَ وجْهًا رحمه الله وجزَاهُ عَنِ الأُمَّةِ خَيرًا.