مثَالُ الوَاو: قَوُلهُ: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} والوُاوُ هِيَ أكْثَرُ مَا يُستَعْمَلُ فِي القَسَمِ.
ومِثَالُ البَاءِ: قَولُ القَائِلِ: أُقسِمَ باللهِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ.
ومثَالُ التَّاءِ: {قَال تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56].
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن القُرآنَ الكَرِيمَ مُبِينٌ لكُلِّ مَا يَحتَاجُ إِلَى البَيَانِ؛ لقَولِهِ تعالى: {الْمُبِينِ}. ولكِنَّ هَذَا البيَانَ لَيسَ حَاصِلًا لِكُلِّ أحَدٍ، فمِنَ النَّاس مَنْ يَفْهَمُ مِنَ القُرآنِ أشيَاءَ كثِيرَةً، ومِنَ النَّاسِ مَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ، ومنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَفْهَمُ شَيئًا؛ فالأقْسَامُ ثَلَاثَةٌ؛ فمِنَ النَّاسِ مَنْ يفْتَحُ اللهُ عَلَيهِ فيَفْهَمُ مِنَ الآيَة الوَاحِدَةِ عَشَرَاتِ المسَائِلِ، ومنَ النَّاسِ مَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ، ومِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَفْهَمُ شَيئًا.
ولهَذَا لمَا سُئِلَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: هَلْ عَهِدَ إلَيكُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بشَيءٍ؟ قَال: "لَا، وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عَهِدَ إِلَينَا بِشَيءٍ، إلا فَهْمًا يُؤْتيهِ اللهُ تَعَالى مَنْ شَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَإِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ" (?)، وإنَّما سُئِلَ عَليٌّ عَنْ ذَلِكَ لأنَّهُ أُشِيعَ فِي زَمَنِهِ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إِلَيهِ بالخِلَافَةِ وقَال: أنْتَ الخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي. فبَيَّنَ - رضي الله عنه - أن ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، والشَّاهِدُ مِنْ هَذَا الأثَرِ قَولُهُ: "إلا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللهُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ".
ولذَلِكَ ترَى بعضَ العُلماءِ إذَا تَكلَّمَ عَنِ الْآيَة مُستنبِطًا فَوائِدَها يَأتِي بالعَجَبِ العُجَابِ، ومنْ أَبْلَغِ مَا قَرَأْتُ مَا يَحصُلُ لشَيخِ الإسلَامِ ابْنِ تيمِيَّةَ وتلمِيذِهِ ابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُمَا اللهُ؛ فإِنَّ اللهَ يَفْتَحُ عَلَيهِما مِنْ فَهْمِ القُرآنِ مَا لَا يَكُونُ لغَيرِهِما، ومِنَ النَّاسِ مَنْ فَهمُهُ دُونَ ذَلِكَ، لكِنْ درجَاتٌ، ومنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَفْهَمُ شَيئًا.