فإِنْ قَال قَائِلٌ: (ربُّ المَشرِقينِ) أَحيَانًا تَأتِي فِي القُرآنِ مُفردَةً، وأحْيَانًا تَأتِي جَمْعًا، وأحيَانًا تَأتِي تَثْنِيةً؟
فالجَوابُ: المَشَارِقُ والمَشرِقُ والمشرِقَينِ، تَأتِي عَلَى هَذ الأوْجُهِ الثَّلاثَةِ ولَا مُنافَاةَ بينَهَا؛ فقَولُهُ تعَالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ} [المزمل: 9] هَذَا مُفرَدٌ.
والمُرَادُ بالمَشْرِقِ هُنَا الجهَةُ، لأنَّ الجِهَاتِ أربَعٌ: شَرْقٌ، وغَرْبٌ، وجَنوبٌ، وشَمَالٌ. فالمَشْرِقُ يَعْنِي: جِهَةَ المَشْرِقِ، والمَغْرِبِ يَعْنِي: جِهَةَ المَغْرِبِ.
أمَّا قولُه تعالى: {الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40] بالجَمْعِ، فالمُرَادُ مَشَارِقُ النُّجومِ والكوَاكِبِ والشَّمسِ والقَمَرِ، لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منْهَا لَهُ مَشرِقٌ، أَو المُرادُ بالمَشَارِقِ مَشَارِقُ الشَّمسِ، لأنَّ كُلَّ يَوْمٍ للشَّمسِ مَشرِقٌ، ولَوْلَا ذَلِكَ مَا رَأَيتَها تَنتقِلُ مِنَ الشَّمالِ إِلَى الجَنُوبِ، ومنَ الجنُوبِ إِلَى الشَّمالِ.
أمَّا {رَبُّ الْمَشْرِقَينِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَينِ} [الرحمن: 17] المُثنَّى، فالمُرادُ بذَلِكَ مَشرِقَا الصَّيفِ والشِّتَاءِ.
وقَوُلهُ: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} الجُملَةُ إنشَائيَّةٌ للذَّمِّ، قَال المفسِّر -رَحِمَهُ اللهُ-: [أنتَ] يَعْنِي: أنَّهُ قَدْ حُذِفَ فِيهَا المخْصُوصُ؛ لأنَّ (بِئْسَ) و (نِعْمَ) لَابُدَّ فيهما مِنْ فَاعِلٍ ومَخْصُوصٍ، وتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ النَّحْو، ولَا علَينا مِنْهُ فِي هَذَا المكَانِ.
من فوائد الآيات الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: التَّحذِيرُ مِنَ الغفلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ؛ لأنَّكَ إِذَا غفَلْتَ عَنْ ذِي اللهِ تعالى حلَّ مَحَلَّ ذِكْرِ اللهِ وَساوسُ الشَّيطَانِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن اللهَ -سُبحَانَهُ وَتَعالى- يُعاقِبُ العبْدَ بِمَا يَقْتَضِيه الذَّنْبُ، وهَذَا كقَولِهِ