* قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32].
قَولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} الاستِفْهَامُ هُنَا للإنْكَارِ. يَعْنِي: هَلْ هُمُ الَّذِين يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ اللهِ، فيَجْعَلُونَ لهَذَا حظًّا ولهَذَا حظًّا، أَوْ يَقُولُونَ: هَذَا لَا يَستَحِقُّ وهَذَا يَستَحِقُّ. {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} قَال المُفسِّرُ رَحَمَهُ اللهُ: [بالنُّبوَّةِ] وهَذَا أيضًا مِمَّا يُؤخَذُ عَلَى المُفسِّرُ، لأنَّهُ خصَّهُ بالنُّبوَّةِ، ونحْنُ نَقُولُ: بالنُّبوَّةِ وغيرِهَا.
هُمْ لَا يَقْسِمُونَ رحمَةَ اللهِ لَا بالنُّبوّةِ ولَا بالقُوَّة، ولَا بالأكْلِ ولَا بالشُّربِ، ولَا غَيرِ ذَلِكَ.
فإِنْ قَال قَائِلٌ: الآية هذه {رَحْمَتَ رَبِّكَ} مَذكُورَةٌ فِي سيَاق قولِه تَعالى: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ} وهُنا خَصَّ النُّبوَّة بأَنْ تَكُونَ بأَحَدِ الرَّجُلينِ؟
فالجَوابُ: نَقُولُ: نَعَمِ السِّياقُ فِي النُّبوَّة، لكِنْ إذَا كَانَ عَامًّا دخَلَتْ فِيهِ النُّبوّةُ؛ ولهَذَا قَال الأُصوليُّون: العِبْرَةُ بعُمُومِ اللَّفظِ لَا بخُصُوصِ السَّببِ، والسِّياقُ لَا يَكُونُ دَلِيلًا؛ لأنَّهُ لَوْ قُلْنا: إنَّهُ عَامٌّ لَمْ يَخْرُجْ مَا دَلَّ عَلَيهِ السِّياقُ، أمَّا إِذَا كَانَ يَخرُجْ مَا دَلَّ عَلَيهِ السِّياقُ فمَعْلُومٌ أنَّهُ لَا يَصِحُّ.