أنزلنا الحديد يعني خلقناه لهم من المعادن واستنبط بعض العلماء من قوله: {وأنزلنا الحديد} على أن المعدن إذا كان في قمم الجبال فهو أقوى وأنفع مما إذا كان في أسفل، لأن النزول إنما يكون من أعلى، فالله أعلم هذا يرجع إلى علم الجيولوجيا، لكن أنزلنا بمعنى وضعنا لهم الحديد، وهو معدن معروف من أقوى المعادن {فيه بأس شديد} أي: في الحرب، تصنع منه السيوف والخناجر وجميع آلات الحرب، وإنما ذكره بعد ذكر الكتب، لأن الدين لا يقوم إلا بهذا: بالدعوة والقتال.

فإذا أبى الكفار أن يكون دين الله هو العالي فحينئذ يقاتلون، بالحديد {ومنافع للناس} جمع المنافع لأنها لا تحصى أجناسها، فضلاً عن أنواعها وأفرادها، فمن يحصي المنافع التي تحصل بالحديد؟! ولهذا جاءت بالجمع المعروف بصيغة منتهى الجموع، {ومنافع للناس} دينية ودنيوية، فردية وجماعية {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب} معطوفة على {ليقوم الناس بالقسط} والمراد علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون، فهذا سابق على إرسال الرسل وإنزال الكتب، لأنه سبحانه لم يزل ولايزال عالماً بكل شيء، ولكن لا يشكل عليك الأمر، لا تقل: إن الله لا يعلم إلا بعد هذا، نقول: العلم علمان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم بالشيء بعد وجوده. والعلم السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب حتى يمتحن للناس، {من ينصره} ، أي: ينصر دينه، وليس المعنى ينصر نفس الله، لأن الله غني عن العالمين، ولهذا قال الله تعالى: {ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015