نبئهم ما فيه عبرة وعظة، قص علينا ما حصل لقوم نوح، وما حصل لعاد، ولثمود، ولقوم لوط، ولآل فرعون، وفي هذا مدكر لمن أراد الادكار، ولهذا قال: {فهل من مدكر} ، يعني هل من متعظ ومعتبر بما جرى على السابقين أن يجري على اللاحقين، لأن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين عباده محاباة أو نسب، بل أكرمهم عند الله أتقاهم له من أي جنس كان، وفي أي مكان كان، وفي أي زمان كان، كما قال الله - تبارك وتعالى -: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ثم قال الله - عز وجل -: {وكل شيء فعلوه في الزبر} كل مبتدأ {في الزبر} خبره، وليس هذا من باب الاشتغال، بل هو خبر محض، لأن (كل) لا يمكن أن تكون مفعولاً لفعلوه، بل هي مبتدأ، {وكل شيء فعلوه} أي: فعلته الأمم السابقة، أو الأمم اللاحقة، فإنه مكتوب {في الزبر} أي في الكتب، وكتابة الأعمال كتابة سابقة، وكتابة لاحقة.
والكتابة السابقة كتابة على أن هذا سيفعل كذا، وهذه الكتابة لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، لأن المرء لم يكلف بها بعد، وكتابة لاحقة وهي كتابة أنه فعل، فإذا فعل الإنسان حسنة كتبها الله، وإذا فعل سيئة كتبها الله، وهذه الكتابة اللاحقة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، وبما قررناه يزول الإشكال عند بعض الناس في قول الله تبارك وتعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} فإن بعض الناس قد يشكل عليه هذه الآية، كيف يقول - عز وجل - {حتى نعلم} وهو