يقول قائل: لعله نسي فأخطأ، ولكن إذا عبر بالمضارع صار كأنه يتحدث عن شيء هو يشاهده، فالمعنى على ما رأى من قبل، ولكن عبر عمّا رأى من قبل بالمضارع لحكمة بالغة، والحكمة البالغة، حيث تكون تعبيرات القرآن الكريم إذا عبر بخلاف ما يتوقع فلابد أن يكون هناك حكمة تظهر للمتأمل {ولقد رءاه نزلةً أخرى} رآه الفاعل محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمفعول به جبريل، أي رأى محمدٌ جبريلَ {نزلةً أخرى} ، أي: مرة أخرى حين نزل، والمرة الأولى رأى الرسولُ عليه الصلاة والسلام جبريلَ وهو في غار حراء، رآه على خلقته التي كان عليها، رآه وله ستمائة جناح قد سد الأفق، كل الأفق الذي حول الرسول عليه الصلاة والسلام في حراء انسد من أجنحة هذا الملك الكريم، وهذا يدل على عظمته، ولهذا وصفه الله أنه ذو قوة عند ذي العرش مكين، وبأنه ذو مرة أي هيئة حسنة كما سبق في هذه السورة، والمرة الثانية: في السماء فوق السماء، فتارة رآه من تحت السماء من فوق الأرض، وتارة من فوق السماء، ولهذا قال: {ولقد رءاه نزلةً أخرى} أي مرة أخرى {عند سدرة المنتهى} ، أي رآه عند السدرة، والسدرة شجرة معروفة في الأرض، لكن السدرة التي في السماء السابعة ليست كصفة السدرة التي في الدنيا، بل نبقها كالقلال، وأوراقها كآذان الفيلة (?) ، فهي شجرة عظيمة، وسميت سدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها كل صاعد من الأرض، وينتهي إليها كل نازل من عند الله عز