وقد زعم بعض أهل العربية أنه إنما قيل: "فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه"، لأن الذين آمنوا به إنما كانت أمهاتهم من بني إسرائيل، وآباؤهم من القبط، فقيل لهم "الذرية"، من أجل ذلك، كما قيل لأبناء الفرس الذين أمهاتهم من العرب وآباؤهم من العجم: "أبناء". (?) .
والمعروف من معنى "الذرية" في كلام العرب: أنها أعقاب من نسبت إليه من قبل الرجال والنساء، كما قال جل ثناؤه: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) ، [سورة الإسراء: 3] ، وكما قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ) ثم قال بعد: (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ) ، [سورة الأنعام: 84، 85] ، فجعل من كان من قبل الرجال والنساء من ذرية إبراهيم.
* * *
وأما قوله: (وملئهم) ، فإن "الملأ": الأشراف. (?) وتأويل الكلام: على خوف من فرعون ومن أشرافهم.
* * *
واختلف أهل العربية فيمن عُني بالهاء والميم اللتين في قوله: (وملئهم) ، فقال بعض نحويي البصرة: عُني بها الذرية. وكأنّه وجَّه الكلام إلى: (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، على خوف من فرعون) وملأ الذرِّية من بني إسرائيل.
* * *
وقال بعض نحويي أهل الكوفة: (?)
عني بهما فرعون. قال: وإنما جاز ذلك وفرعون واحد، لأن الملك إذا ذكر بخوفٍ أو سفر أو قدوم من سفر، (?) ذهب الوهم إليه وإلى من معه. وقال: ألا ترى أنك تقول: "قدم الخليفة فكثر الناس"، تريد، بمن معه = "وقدم فغلت الأسعار"، لأنك تنوي بقدومه قدوم من معه. (?)
* * *