فكذلك وزن الله أعمال خلقه، بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان، وكتب سيئاته في الكفة الأخرى، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلا وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى، احتجاجًا من الله بذلك على خلقه، كفعله بكثير منهم: من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادًا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه.

ويُسأل مَن أنكر ذلك فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة، ويخفف موازين آخرين، وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق ذلك، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته، الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل تُبْعِد أن يُنال وجه صحته من جهة العقل؟ (?) وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقَه وكتبَ أعمالهم لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان، خروجٌ من حكمة، ولا دخول في جور في قضية، فما الذي أحال ذلك عندك من حجةِ عقلٍ أو خبر؟ (?) إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرتُ، ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين، وضوحُ فساد قوله، وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك.

وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته، إذ كان قصدُنا في هذا الكتاب: البيانَ عن تأويل القرآن دون غيره. ولولا ذلك لقرنَّا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وُفِّق لفهمه إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015