القول في تأويل قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا (90) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه:"ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم"، ولو شاء الله لسلّط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون في جوارهم وذمتهم، والذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم= عليكم، (?) أيها المؤمنون، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى ذكره كفَّهم عنكم. يقول جل ثناؤه: فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفِّهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم، فيما أمركم به من الكفِّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاؤوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم. ثم قال جل ثناؤه:"فإن اعتزلوكم"، يقول: فإن اعتزلكم هؤلاء الذين أمرتكم بالكف عن قتالهم من المنافقين، بدخولهم في أهل عهدكم، أو مصيرهم إليكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم="فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَم"، يقول: وصالحوكم.
* * *
و"السَّلَم"، هو الاستسلام. (?) وإنما هذا مثلٌ، كما يقول الرجل للرجل:"أعطيتك قِيادي"، و"ألقيت إليك خِطَامي"، إذا استسلم له وانقاد لأمره. فكذلك قوله:"وألقوا إليكم السلم"، إنما هو: ألقوا إليكم قيادَهم واستسلموا لكم، صلحًا منهم لكم وسَلَمًا. ومن"السَّلم" قول الطرمَّاح:
وَذَاكَ أَنَّ تَمِيمًا غَادَرَتْ سَلَمًا ... لِلأسْدِ كُلَّ حَصَانٍ وَعْثَةِ اللِّبَدِ (?)