وقد زعم بعض أهل العربية، (?) أن معنى قوله:"إلا الذين يصلون إلى قوم"، إلا الذين يتَّصلون في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاق، من قولهم:"اتّصل الرجل"، بمعنى: انتمى وانتسب، كما قال الأعشى في صفة امرأة انتسبت إلى قوم:
إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ: أَبَكْرَ بنَ وَائِلٍ! ... وَبَكْرٌ سَبَتْهَا وَالأنُوفُ رَوَاغِمُ! (?)
يعني بقوله:"اتصلت"، انتسبت.
* * *
قال أبو جعفر: ولا وجه لهذا التأويل في هذا الموضع، لأن الانتساب إلى قوم من أهل الموادعة أو العهد، لو كان يوجب للمنتسبين إليهم ما لهم، إذا لم يكن لهم من العهد والأمان ما لهم، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيقاتل قريشًا وهم أنسباءُ السابقين الأوَّلين. ولأهل الإيمان من الحق بإيمانهم، أكثر مما لأهل العهد بعهدهم. وفي قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي قريش= بتركها الدخول فيما دخل فيه أهل الإيمان منهم، مع قرب أنسابهم من أنساب المؤمنين منهم - الدليلُ الواضح أنّ انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم، لم يكن موجبا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه.
فإن ظن ذو غفلة أن قتال النبيّ صلى الله عليه وسلم من قاتل من أنسباء المؤمنين من مشركي قريش، إنما كان بعد ما نُسخ قوله:"إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق"، فإن أهل التأويل أجمعوا على أن ناسخ ذلك"براءة"، و"براءة" نزلت بعد فتح مكة ودخول قريش في الإسلام. (?)
* * *