وقوله:"هو" مكنيّ من اسم الله جل ذكره عائد على اسمه في قوله:"كيف تكفرون بالله". ومعنى خلقه ما خلق جلّ ثناؤه، إنشاؤه عينه، وإخراجه من حال العدم إلى الوجود. و"ما" بمعنى"الذي".

فمعنى الكلام إذًا: كيف تكفرون بالله وكنتم نُطفًا في أصلاب آبائكم فجعلكم بشرًا أحياءً، ثم يميتكم، ثم هو مُحييكم بعد ذلك وباعثكم يوم الحشر للثواب والعقاب، وهو المنعمُ عليكم بما خلق لكم في الأرض من معايشكم وأدلتكم على وحدانية ربكم.

و"كيف" بمعنى التعجب والتوبيخ، لا بمعنى الاستفهام، كأنه قال: ويْحَكم كيف تكفرون بالله، كما قال: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [سورة التكوير: 26] . وحل قوله:"وكنتم أمواتًا فأحياكم" محلّ الحال. وفيه ضميرُ"قد" (?) ، ولكنها حذفت لما في الكلام من الدليل عليها. وذلك أن"فعل" إذا حلت محلّ الحال كان معلومًا أنها مقتضية"قد"، كما قال ثناؤه: (أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [سورة النساء: 90] ، بمعنى: قد حَصِرَت صدورهم. وكما تقول للرجل: أصبحتَ كثرت ماشيتك، تريد: قد كثرت ماشيتك.

وبنحو الذي قلنا في قوله:"هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعًا"، كان قتادة يقول:

587- حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قوله:"هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعًا"، نَعَمْ والله سخر لكم ما في الأرض (?) .

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015