قال أبو جعفر: واختلف القرأة في قراءة قوله:"لا يضركم".

فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعضُ البصريين: (لا يَضُرُّكُمْ) مخففة بكسر"الضاد"، من قول القائل:"ضارني فلان فهو يضيرني ضيرًا". وقد حكي سماعًا من العرب:"ما ينفعني ولا يضورني"، فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل: (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) ، ولكني لا أعلم أحدًا قرأ به". (?)

* * *

وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة: (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) بضم"الضاد" وتشديد"الراء"، من قول القائل: ضرّني فلان فهو يضرني ضرًا".

* * *

وأما الرفع في قوله:"لا يضركم"، فمن وجْهين.

أحدهما: على إتباع"الراء" في حركتها = إذْ كان الأصل فيها الجزم، ولم يمكن جزمها لتشديدها = أقربَ حركات الحروف التي قبلها. وذلك حركة"الضاد" وهي الضمة، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها، كما قالوا:"مُدُّ يا هذا".

والوجه الآخر من وجهي الرفع في ذلك: أن تكون مرفوعة على صحة، وتكون"لا" بمعنى"ليس"، وتكون"الفاء" التي هي جواب الجزاء، متروكة لعلم السامع بموضعها.

وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وإن تصبروا وتتقوا، فليس يضرُّكم كيدهم شيئًا - ثم تركت"الفاء" من قوله:"لا يضركم كيدهم"، ووجهت"لا" إلى معنى"ليس"، كما قال الشاعر: (?)

فَإنْ كَانَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي ... إلَى قَطَرِيٍّ، لا إخَالُكَ رَاضِيَا (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015