لكان لا شك قد قيل:"هن أمهات الكتاب". ونظير قول الله عز وجل:"هن أمّ الكتاب" على التأويل الذي قلنا في توحيد"الأم" وهي خبر لـ"هُنّ"، قوله تعالى ذكره: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [سورة المؤمنون: 50] ولم يقل: آيتين، لأن معناه: وجعلنا جميعهما آية. إذ كان المعنى واحدًا فيما جُعلا فيه للخلق عبرة. (?) ولو كان مرادًا الخبرُ عن كل واحد منهما على انفراده، (?) بأنه جعل للخلق عبرة، لقيل: وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين، لأنه قد كان في كل واحد منهما لهم عبرة. وذلك أن مريم ولدت من غير رجل، ونطق ابنها فتكلم في المهد صبيًّا، فكان في كل واحد منهما للناس آية.
* * *
وقد قال بعض نحويي البصرة: إنما قيل:"هن أم الكتاب"، ولم يَقل:"هن أمهات الكتاب" على وجه الحكاية، كما يقول الرجل:"ما لي أنصار"، فتقول:"أنا أنصارك" = أو:"ما لي نظير"، فتقول:"نحن نظيرك". (?) قال: وهو شبيهُ:"دَعنى من تَمرْتَان"، وأنشد لرجل من فقعس: (?)
تَعَرَّضَتْ لِي بِمَكَانِ حَلِّ ... تَعرُّض المُهْرَةِ فِي الطِّوَلِّ تَعَرُّضًا لَمْ تَألُ عَنْ قَتْلا لِي (?)