سورةٍ منها أن يضمّ إلى اسمها المسمَّى به من ذلك، ما يفرِّق به السامع بين الخبر عنها وعن غيرها، من نعتٍ وصفةٍ أو غير ذلك. فيقول المخبر عن نفسه إنه تلا سورة البقرة، إذا سماها باسمها الذي هو"ألم": قرأتُ"ألم البقرة"، وفي آل عمران: قرأت"ألم آل عمران"، و"ألم ذلك الكتاب"، و"ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم". كما لو أراد الخبر عن رَجلين، اسم كل واحد منهما"عمرو"، غير أنّ أحدهما تميمي والآخر أزديَّ، للزمه أن يقول لمن أراد إخباره عنهما: لقيت عمرًا التميمي وعمرًا الأزديَّ، إذْ كان لا يفرُقُ بينهما وبين غيرهما ممن يُشاركهما في أسمائهما، إلا بنسبتهما كذلك. فكذلك ذلك في قول من تأوَّل في الحروف المقطعة أنها أسماءٌ للسُّور.
وأما الذين قالوا: ذلك فواتحُ يفتتح الله عز وجل بها كلامه، فإنهم وجهوا ذلك إلى نحو المعنى الذي حكيناه عمَّن حكينا عنهُ من أهل العربية، أنه قال: ذلك أدِلَّةٌ على انقضاء سُورة وابتداءٍ في أخرى، وعلامةٌ لانقطاع ما بينهما، كما جعلت"بل" في ابتداء قصيدةٍ دلالةً على ابتداء فيها، وانقضاءِ أخرى قَبلها كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداءَ في إنشاد قصيدة، قالوا:
بل * ما هاجَ أحْزَانًا وشجوًا قد شَجا
و"بل" ليست من البيت ولا داخلةً في وزنه، ولكن ليَدُلَّ به على قطع كلام وابتداء آخر.
وأما الذين قالوا: ذلك حروف مقطَّعة بعضها من أسماء الله عز وجل، وبعضُها من صفاته، ولكل حرف من ذلك معنى غيرُ معنى الحرف الآخر، فإنهم نَحَوْا بتأويلهم ذلك نحو قول الشاعر:
قُلْنَا لها: قِفِي لنا، قالت: قافْ ... لا تَحْسَبي أنَّا نَسِينا الإيجاف (?)