في قول الله: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) قال: ليست بخاصة لأحد.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله عمّ بالقول كلّ همزة لمزة، كلّ من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها، سبيله سبيله كائنا من كان من الناس.
وقوله: (الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ)
يقول: الذي جمع مالا وأحصى عدده، ولم ينفقه في سبيل الله، ولم يؤد حق الله فيه، ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه من قرّاء أهل المدينة أبو جعفر، وعامة قرّاء الكوفة سوى عاصم: "جَمَّعَ" بالتشديد، وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والحجاز، سوى أبي جعفر وعامة قرّاء البصرة، ومن الكوفة عاصم، "جَمَعَ" بالتخفيف، وكلهم مجمعون على تشديد الدال من (وَعَدَّدَهُ) على الوجه الذي ذكرت من تأويله. وقد ذكر عن بعض المتقدمين بإسناد غير ثابت، أنه قرأه: "جَمَعَ مَالا وَعَدَدَهُ" تخفيف الدال، بمعنى: جمع مالا وجمع عشيرته وعدده. هذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، بخلافها قراءة الأمصار، وخروجها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك.
وأما قوله: (جَمَعَ مَالا) فإن التشديد والتخفيف فيهما صوابان، لأنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ)
يقول: يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه، وبخل بإنفاقه، مخلده في الدنيا، فمزيل عنه الموت. وقيل: أخلده، والمعنى: يخلده، كما يقال للرجل الذي يأتي الأمر الذي يكون سببا لهلاكه: عطب والله فلان، هلك والله فلان، بمعنى: أنه يعطب من فعله ذلك، ولما يهلك بعد ولم يعطب; وكالرجل يأتي الموبقة من الذنوب: دخل والله فلان النار.
وقوله: (كَلا) يقول تعالى ذكره: ما ذلك كما ظنّ، ليس ماله مخلِّده،
ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه هالك ومعذب على أفعاله ومعاصيه، التي كان يأتيها في الدنيا، فقال جل ثناؤه: (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) يقول: ليُقذفنّ يوم القيامة في الحطمة، والحطمة: اسم من أسماء النار، كما قيل لها: جهنم وسقر ولظى، وأحسبها سميت بذلك لحطمها كلّ ما ألقي فيها، كما يقال للرجل الأكول: الحطمة. ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: "لَيُنْبَذَانِّ فِي الحُطَمَةِ" يعني: هذا الهمزة اللمزة وماله، فثنَّاه لذلك.