أرأيت إن كان على الهدى، فكررت أرأيت مرات ثلاثًا على البدل. والمعنى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، وهو مكذب متول عن ربه، ألم يعلم بأن الله يراه.

وقوله: (كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) يقول: ليس كما قال: إنه يطأ عنق محمد، يقول: لا يقدر على ذلك، ولا يصل إليه.

قوله: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) يقول: لئن لم ينته أبو جهل عن محمد (لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ) يقول: لنأخذنّ بمقدم رأسه، فلنضمنه ولنُذلنه؛ يقال منه: سفعت بيده: إذا أخذت بيده. وقيل: إنما قيل (لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ) والمعنى: لنسوّدنّ وجهه، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه. وقيل: معنى ذلك: لنأخذنّ بناصيته إلى النار، كما قال: (فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ) .

وقوله: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) فخفض ناصية ردّا على الناصية الأولى بالتكرير، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة، والمعنى لصاحبها.

وقوله: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ) يقول تعالى ذكره: فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره، من عشيرته وقومه، والنادي: هو المجلس.

وإنما قيل ذلك فيما بلغنا، لأن أبا جهل لما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند المقام، انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغلظ له، فقال أبو جهل: علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي ناديا؟ فقال الله جلّ ثناؤه: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ) ، فليدع حينئذ ناديه، فإنه إن دعا ناديه، دعونا الزبانية.

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار، وقال أهل التأويل.

* ذكر الآثار المروية في ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر؛ وحدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا الحكم بن جميع، قال: ثنا عليّ بن مُسْهِر، جميعا عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام، فمرّ به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا؟ وتوعَّده، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره، فقال: يا محمد بأيّ شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا، فأنزل الله: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) قال ابن عباس: لو دعا ناديه، أخذته زبانية العذاب من ساعته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015