17

وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عُنِيَ به: أو مسكينا قد لصق بالتراب من الفقر والحاجة؛ لأن ذلك هو الظاهر من معانيه. وأن قوله: (مَتْرَبَةٍ) إنما هي " مَفْعَلةٍ " من ترب الرجل: إذا أصابه التراب.

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) } .

يقول تعالى ذكره: ثم كان هذا الذي قال: (أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا) من الذين آمنوا بالله ورسوله، فيؤمن معهم كما آمنوا (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) يقول: وممن أوصى بعضهم بعضا بالصبر على ما نابهم في ذات الله (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) يقول: وأوصى بعضهم بعضًا بالمرحمة.

كما حدثنا محمد بن سنان والقزّاز، قال: ثنا أبو عاصم عن شبيب، عن عكرِمة، عن ابن عباس (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) قال: مَرْحَمة الناس.

وقوله: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) يقول: الذين فعلوا هذه الأفعال التي ذكرتها، من فكّ الرقاب، وإطعام اليتيم، وغير ذلك، أصحاب اليمين، الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة.

وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا) يقول: والذين كفروا بأدلتنا وأعلامنا وحججنا من الكتب والرُّسل وغير ذلك (هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) يقول: هم أصحاب الشمال يوم القيامة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال. وقد بيَّنا معنى المشأمة، ولم قيل لليسار المشأمة فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) يقول تعالى ذكره: عليهم نار جهنم يوم القيامة مُطْبََقة؛ يقال منه: أوصدت وآصدت.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015