يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يسألك يا محمد هؤلاء المكذّبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتى من قبورهم (أَيَّانَ مُرْسَاهَا) ، متى قيامها وظهورها. وكان الفرّاء يقول: إن قال القائل: إنما الإرساء للسفينة، والجبال الراسية وما أشبههنّ، فكيف وصف الساعة بالإرساء؟ قلت: هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست، ورسوّها: قيامها؛ قال: وليس قيامها كقيام القائم، إنما هي كقولك: قد قام العدل، وقام الحقّ: أي ظهر وثبت.

قال أبو جعفر رحمه الله: يقول الله لنبيه: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) يقول: في أيّ شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها. وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُكثر ذكر الساعة، حتى نزلت هذه الآية.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، عن عُروة، عن عائشة، قالت: لم يزل النبيّ صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة، حتى أنزل الله عزّ وجل: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا) .

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن طارق بن شهاب، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر شأن الساعة حتى نزلت (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ... ) إلى (مَنْ يخْشاهَا) .

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) قال: الساعة.

وقوله: (إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا) يقول: إلى ربك منتهى علمها، أي إليه ينتهي علم الساعة، لا يعلم وقت قيامها غيره.

وقوله: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) يقول تعالى ذكره لمحمد: إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب الله فيها على إجرامه ولم تكلف علم وقت قيامها، يقول: فدع ما لم تكلف علمَه واعمل بما أمرت به من إنذار من أُمرت بإنذاره.

واختلف القرّاء في قراءة قوله: (مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) فكان أبو جعفر القارئ وابن محيصن يقرأان (مُنْذِرٌ) بالتنوين، بمعنى: أنه منذر من يخشاها، وقرأ ذلك سائر قرّاء المدينة ومكة والكوفة والبصرة بإضافة (مُنْذِرُ) إلى (من) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015