اللعنة التي أخبر الله تعالى ذكره أنها حَالَّة بالفريق الآخر: الذين يكتمونَ ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس، (?) هي لعنة الله، ولعنة الذين أخبر أن لعنتهم حالّة بالذين كفروا وماتوا وهم كفار، (?) وهم"اللاعنون"، لأن الفريقين جميعًا أهلُ كفر.
* * *
وأما قول من قال إن"اللاعنين" هم الخنافس والعقارب وما أشبه ذلك من دبيب الأرض وهَوامِّها، (?) فإنه قول لا تدرك حَقيقته إلا بخبر عن الله أن ذلك من فعلها تَقوم به الحجة، ولا خبرَ بذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يقال إنّ ذلك كذلك.
وإذْ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول فيما قالوه أن يقال: إن الدليل من ظاهر كتاب الله موجودٌ بخلاف [قول] أهل التأويل، (?) وهو ما وصفنا. فإنْ كان جائزًا أن تكون البهائم وسائرُ خلق الله، تَلعن الذين يَكتمون ما أنزل الله في كتابه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ونبوّته، بعد علمهم به، وتلعن معهم جميع الظَّلمة - فغير جائز قطعُ الشهادة في أن الله عنى ب"اللاعنين" البهائمَ والهوامَّ ودَبيب الأرض، إلا بخبر للعذر قاطع. ولا خبرَ بذلك، وظاهر كتابا لله الذي ذكرناه دالٌّ على خلافه. (?)
* * *