عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، حين جاءهم بالبينات، وبعث الله عزّ وجلّ محمدا رسولا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهم كذلك، فذلك قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) ... إلى (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) : كان الله عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قيل أن يبعث محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فلما استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلا القليل، وكثر أهل الشرك، وانقطعت الرسل، اعتزلوا الناس، فصاروا في الغيران، فلم يزالوا كذلك حتى غيرت طائفة منهم، فتركوا دين الله وأمره، وعهده الذي عهده إليهم، وأخذوا بالبدع، فابتدعدوا النصرانية واليهودية، فقال الله عزّ وجلّ لهم: (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) ، وثبتت طائفة منهم على دين عيسى صلوات الله عليه، حتى بعث الله محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فآمنوا به.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال ثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا بن أبي مريم، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن الله كتب عليكم صيام رمضان، ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه، وإن قوما ابتدعوا بدعة لم يكتبها الله عليهم، ابتغوا بها رضوان الله، فلم يرعوها حق رعايتها، فعابهم الله بتركها، فقال: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، بعض الطوائف التي ابتدعتها، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم؛ قال: فدلّ بذلك على أن منهم من قد رعاها حقّ رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك، لم يكن مستحقّ الأجر الذي قال جلّ ثناؤه: (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ، إلا أن الذين لم