وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وهو: ما خلقت الجنّ والإنس إلا لعبادتنا، والتذلل لأمرنا.
فإن قال قائل: فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم، لأن قضاءه جار عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه.
وقوله (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) يقول تعالى ذكره: ما أريد ممن خلقت من الجنّ والإنس من رزق يرزقونه خلقي (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) يقول: وما أريد منهم من قوت أن يقوتوهم، ومن طعام أن يطعموهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) قال: يطعمون أنفسهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) }
يقول تعالى ذكره: إن الله هو الرزّاق خلقه، المتكفل بأقواتهم، ذو القوّة المتين.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله (المَتِين) ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا يحيى بن وثاب والأعمش: (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) رفعا، بمعنى: ذو القوّة الشديد، فجعلوا المتين من نعت ذي، ووجهوه إلى وصف الله به. وقرأه يحيى