(رَبِّهِ) والعلم بوحدانيته، فهو يعبده على بصيرة منه، بأن له رَبًّا يجازيه على طاعته إياه الجنة، وعلى إساءته ومعصيته إياه النار، (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) يقول: كمن حسَّن له الشيطان قبيح عمله وسيئه، فأراه جميلا فهو على العمل به مقيم (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يقول: واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم من معصية الله، وعبادة الأوثان من غير أن يكون عندهم بما يعملون من ذلك برهان وحجة. وقيل: إن الذي عني بقوله: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن الذي عُنِي بقوله: (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) هم المشركون.
القول في تأويل قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) }
يقول تعالى ذكره: صفة الجنة التي وعدها المتقون، وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) يقول تعالى ذكره في هذه الجنة التي: ذكرها أنهار من ماء غير متغير الريح، يقال منه: قد أسن ماء هذه البئر: إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت، فهو يأسَن أسَنًا، وكذلك يُقال للرجل إذا أصابته ريح منتنة: قد أَسِن فهو يأْسَن. وأما إذا أَجَنَ الماء وتغير، فإنه يقال له: أسِن فهو يأسَن، ويأسن أسونا، وماء أسن.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن