تقدّم من بياننا عن أن المعني بقوله (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ليلة القدر، والهاء في قوله (فِيهَا) من ذكر الليلة المباركة.
وعنى بقوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) في هذه الليلة المباركة يُقْضَى ويُفْصَل كلّ أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى، ووضع حكيم موضع محكم، كما قال: (الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) يعني: المحكم.
وقوله (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يقول تعالى ذكره: في هذه الليلة المباركة يُفْرق كلّ أمر حكيم، أمرا من عندنا.
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (أمْرًا) فقال بعض نحويي (?) الكوفة: نصب على (?) إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال. وقال بعض نحويي (?) البصرة: نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا. قال: وكذلك قوله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال: ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، فجعل الرحمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقوله (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يقول تعالى ذكره: إنا كنا مرسلي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يقول: إن الله تبارك وتعالى هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا، وأرسلنا من رسلنا إليهم، وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم، العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ