وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (ثَمُودُ) فقرأته عامة القراء من الأمصار غير الأعمش وعبد الله بن أبي إسحاق برفع ثمود، وترك إجرائها على أنها اسم للأمة التي تعرف بذلك. وأما الأعمش فإنه ذكر عنه أنه كان يجري ذلك في القرآن كله إلا في قوله: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) فإنه كان لا يجريه في هذا الموضع خاصة من أجل أنه في خطّ المصحف في هذا الموضع بغير ألف، وكان يوجه ثمود إلى أنه اسم رجل بعينه معروف، أو اسم جيل معروف. وأما ابن إسحاق فإنه كان يقرؤه نصبا. وأما ثمود بغير إجراء، وذلك وإن كان له في العربية وجه معروف، فإن أفصحَ منه وأصحّ في الإعراب عند أهل العربية الرفع لطلب أما الأسماء وأن الأفعال لا تليها، وإنما تعمل العرب الأفعال التي بعد الأسماء فيها إذا حسن تقديمها قبلها والفعل في أما لا يحسن تقديمه قبل الاسم; ألا ترى أنه لا يقال: وأما هدينا فثمود، كما يقال: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ) .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا الرفع وترك الإجراء; أما الرفع فلما وصفت، وأما ترك الإجراء فلأنه اسم للأمة.
وقوله: (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) يقول: فاختاروا العمى على البيان الذي بينت لهم، والهدى الذي عرفتهم، بأخذهم طريق الضلال على الهدى، يعني على البيان الذي بينه لهم، من توحيد الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط. عن السديّ (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) قال: اختاروا الضلالة والعمى على الهدى.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) قال: أرسل الله إليهم الرسل بالهدى فاستحبوا العمى على الهدى.