وقال بعض نحويّي الكوفة: نصب قرآنا على الفعل: أي فصلت آياته كذلك. قال: وقد يكون النصب فيه على القطع، لأن الكلام تامّ عند قوله"آيَاتُهُ". قال: ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا، كما قال في موضع آخر: (كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ) وقال: وكذلك قوله: (بَشِيرًا وَنَذِيرًا) فيه ما في (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) .
وقوله: (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يقول: فصلت آيات هذا الكتاب قرآنا عربيا لقوم يعلمون اللسان العربي.
بشيرا لهم يبشرهم إن هم آمنوا به، وعملوا بما أنزل فيه من حدود الله وفرائضه بالجنة، (وَنَذِيرًا) يقول ومنذرا من كذب به ولم يعمل بما فيه بأمر الله في عاجل الدنيا، وخلود الأبد في نار جهنم في آجل الآخرة.
وقوله: (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) يقول تعالى ذكره: فاستكبر عن الإصغاء له وتدبر ما فيه من حجج الله، وأعرض عنه أكثر هؤلاء القوم الذين أنزل هذا القرآن بشيرا لهم ونذيرا، وهم قوم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. يقول: فهم لا يصغون له فيسمعوه إعراضا عنه واستكبارا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) }
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون المعرضون عن آيات الله من مشركي قريش إذ دعاهم محمد نبيّ الله إلى الإقرار بتوحيد الله وتصديق ما في هذا القرآن من أمر الله ونهيه، وسائر ما أنزل فيه (قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ) يقول: في أغطية (مِمَّا تَدْعُونَا) يا محمد (إِلَيْهِ) من توحيد الله، وتصديقك فيما جئتنا به، لا نفقه ما تقول (وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ) وهو الثقل، لا نسمع ما تدعونا إليه استثقالا لما يدعو إليه وكراهة له. وقد مضى البيان قبل عن معاني هذه الأحرف