يقول تعالى ذكره: ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذّبوا بكتاب الله، وهو هذا القرآن; و"الذين" الثانية في موضع خفض ردّا لها على"الذين" الأولى على وجه النعت (وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا) يقول: وكذّبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله، والبراءة مما يعبد دونه من الآلهة والأنداد، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب. وقوله: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) ، وهذا تهديد من الله المشركين به; يقول جلّ ثناؤه: فسوف يعلم هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله، المكذبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد، وصحة ما هم به اليوم مكذّبون من هذا الكتاب، حين تجعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم في جهنم. وقرأت قراءة الأمصار: والسلاسل، برفعها عطفا بها على الأغلال على المعنى الذي بينَّت. وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه"والسَّلاسِلَ يُسْحَبونَ" بنصب السلاسل في الحميم. وقد حكي أيضا عنه أنه كان يقول: إنما هو وهم في السلاسل يسحبون، ولا يجيز أهل ألعلم بالعربية خفض الاسم والخافض مضمر. وكان بعضهم يقول في ذلك: لو أن متوهما قال: إنما المعنى: إذ أعناقهم في الأغلال والسلال يسبحون. حاز الخفض في السلاسل على هذا المذهب، وقال: مثله، مما رد إلى المعنى. قول الشاعر:

قَدْ سَالَم الحَيَّاتُ مِنْهُ القَدمَا ... الأفْعُوَانَ والشُّجاعَ الأرْقَما (?)

فنصب الشُّجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة، لأن المعنى: قد سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية، جعل الفعل من القدم واقعا على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015