66

القول في تأويل قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) }

يقول تعالى ذكره: فلما نجى الله هؤلاء المشركين مما كانوا فيه في البحر، من الخوف والحذر من الغرق إلى البرّ، إذا هم بعد أن صاروا إلى البرّ يشركون بالله الآلهة والأنداد. (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْناهُمْ) يقول: ليجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليهم في أنفسهم وأموالهم.

(وَلِيَتَمَتَّعُوا) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: (وَلِيَتَمَتَّعُوا) بكسر اللام، بمعنى: وكي يتمتعوا آتيناهم ذلك. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين: (وَلْيَتَمَتَّعُوا) بسكون اللام على وجه الوعيد والتوبيخ: أي اكفروا فإنكم سوف تعلمون ماذا يَلْقون من عذاب الله بكفرهم به.

وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب، قراءة من قرأه بسكون اللام، على وجه التهديد والوعيد، وذلك أن الذين قرءوه بكسر اللام، زعموا أنهم إنما اختاروا كسرها عطفا بها على اللام التي في قوله: (لِيَكْفُرُوا) ، وأن قوله: (لِيَكْفُرُوا) لما كان معناه: كي يكفروا، كان الصواب في قوله: (وَلِيَتَمَتَّعُوا) أن يكون: وكي يتمتعوا، إذ كان عطفا على قوله: (لِيَكْفُرُوا) عندهم، وليس الذي ذهبوا من ذلك بمذهب؛ وذلك لأن لام قوله: (لِيَكْفُرُوا) صلُحت أن تكون بمعنى كي؛ لأنها شرط، لقوله: إذا هم يشركون بالله كي يكفروا بما آتيناهم من النعم، وليس ذلك كذلك في قوله: (وَلِيَتَمَتَّعُوا) لأن إشراكهم بالله كان كفرا بنعمته، وليس إشراكهم به تمتعا بالدنيا، وإن كان الإشراك به يسهل لهم سبيل التمتع بها، فإذ كان ذلك كذلك فتوجيهه إلى معنى الوعيد أولى وأحقّ من توجيهه إلى معنى: وكي يتمتعوا، وبعد فقد ذكر أن ذلك في قراءة أُبيّ (وَتَمَتَّعُوا) وذلك دليل على صحة من قرأه بسكون اللام بمعنى الوعيد.

وقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا) يقول تعالى ذكره، مذكرا هؤلاء المشركين من قريش، القائلين: لولا أنزل عليه آية من ربه، نِعْمَتَه عليهم التي خصهم بها دون سائر الناس غيرهم، مع كفرهم بنعمته وإشراكهم في عبادته الآلهة والأنداد: أولم ير هؤلاء المشركون من قريش، ما خصصناهم به من نعمتنا عليهم، دون سائر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015