هذا الوجه الآخر، وهو لمصيرك إلى أن تعود إلى الجنة.
فإن قال قائل: أو كان أُخرج من الجنة، فيقال له: نحن نعيدك إليها؟ قيل: لذلك وجهان: أحدهما: أنه إن كان أبوه آدم صلى الله عليهما أخرج منها، فكأن ولده بإخراج الله إياه منها، قد أخرجوا منها، فمن دخلها فكأنما يرد إليها بعد الخروج. والثاني أن يقال: إنه كان صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة أُسرِي به، كما رُوي عنه أنه قال: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فرأيْتُ فِيها قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فقالوا: لِعُمَرَ بنِ الخطَّابِ"، ونحو ذلك من الأخبار التي رويت عنه بذلك، ثم رد إلى الأرض، فيقال له: إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك لمصيرك إلى الموضع الذي خرجت منه من الجنة، إلى أن تعود إليه، فذلك إن شاء الله قول من قال ذلك.
وقوله: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ربي أعلم من جاء بالهُدى الذي مَنْ سلكه نجا، ومن هو في جَوْر عن قصد السبيل منا ومنكم. وقوله: (مُبِين) ؛ يعني أنه يبين للمفكر الفَهم إذا تأمَّله وتدبَّره، أنه ضلال وجور عن الهدى.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) }
يقول تعالى ذكره: وما كنت ترجو يا محمد أن ينزل عليك هذا القرآن، فتعلم الأنباء والأخبار عن الماضين قبلك، والحادثة بعدك، مما لم يكن بعد، مما لم تشهده ولا تشهده، ثم تتلو ذلك على قومك من قريش، إلا أن ربك رحمك، فأنزله عليك، فقوله: (إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) استثناء منقطع.
وقوله: (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ) يقول: فاحمد ربك على ما أنعم به عليك من رحمته إياك، بإنزاله عليك هذا الكتاب، ولا تكوننّ عونا لمن كفر بربك على كفره به. وقيل: إن ذلك من المؤخَّر الذي معناه التقديم، وإن معنى اللام: إن الذي فرض عليك القرآن، فأنزله عليك، وما كنت ترجو أن ينزل عليك، فتكون نبيا قبل ذلك، لرادّك إلى معاد.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ