وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها،، إذ أمرها أن تلقيه في اليمّ فقال (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال: فحزنت ونسيت عهد الله إليها، فقال الله عز وجل: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من وحينا الذي أوحيناه إليها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر، ولا تخاف ولا تحزن، قال: فجاءها الشيطان، فقال: يا أمّ موسى، كرهت أن يقتل فرعون موسى، فيكون لك أجره وثوابه، وتولَّيت قتله، فألقيتيه في البحر وغرقتيه، فقال الله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من الوحي الذي أوحاه إليها.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: ثني الحسن، قال: أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها، والوعد الذي وعدناها أن نردَّ عليها ابنها، فنسيت ذلك كله، حتى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا على قلبها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته في البحر، هل تسمع له بذكر؟ حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت، فعرفت الصفة، ورأت أنه وقع في يدي عدوّه الذي فرّت به منه، وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه، قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه.

وقال بعض أهل المعرفة بكلام العرب: معنى ذلك: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من الحزن، لعلمها بأنه لم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ (?) أي لا قود ولا دية; وهذا قول لا معنى له؛ لخلافه قول جميع أهل التأويل.

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: معناه: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من كلّ شيء، إلا من همّ موسى.

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لدلالة قوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي، لم يعقب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015