وقوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المنصرفون عن نبيكم بغير إذنه، تسترا وخفية منه، وإن خفي أمر من يفعل ذلك منكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم،فإن الله يعلم ذلك، ولا يخفى عليه، فليتق من يفعل ذلك منكم، الذين يخالفون أمر الله في الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، أن تصيبهم فتنة من الله، أو يصيبهم عذاب أليم، فيطبع على قلوبهم، فيكفروا بالله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن جُويبر، عن الضحاك، في قول الله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) قال: كانوا يستتر بعضهم ببعض، فيقومون، فقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) قال: يطبع على قلبه، فلا يأمن أن يظهر الكفر بلسانه فتُضرب عنقه.
حدثنا ابن القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) قال: خلافا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قَال ابن زيد، في قوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) قال: هؤلاء المنافقون الذين يرجعون بغير إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: اللواذ: يلوذ عنه، ويروغ ويذهب بغير إذن النبيّ صلى الله عليه وسلم (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) الذين يصنعون هذا أن تصيبهم فتنة، أو يصيبهم عذاب أليم. الفتنة هاهنا: الكفر، واللواذ: مصدر لاوذت بفلان ملاوذة ولواذا، ولذلك ظهرت الواو، ولو كان مصدرا للذتُ لقيل: لياذا، كما يقال: قمت قياما، وإذا قيل: قاومتك، قيل: قواما طويلا. واللواذ: هو أن يلوذ القوم بعضهم ببعض، يستتر هذا بهذا، وهذا بهذا، كما قال الضحاك.
وقوله: (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يقول: أو يصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله موجع، على صنيعهم ذلك، وخلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) وأدخلت "عن "؛ لأن معنى الكلام: فليحذر الذين يلوذون عن أمره، ويدبرون عنه معرضين.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ